محاضرة في بني زيدان
التحذير من تزكية النفس والاتكال على العمل
ومع ذلك كله فإن علينا ألا نزكي أنفسنا، ولا نتمدح بأعمالنا؛ بل علينا أن نحتقر الأعمال التي عملناها، ولو بلغت ما بلغت. الله سبحانه وتعالى قد نهانا عن التزكية للأنفس، قال تعالى: رسم> فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى قرآن> رسم> وقال تعالى: رسم> أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ قرآن> رسم> ومعنى التزكية كون الإنسان يمدح نفسه.
يمدح نفسه بأنه من الذين أطاعوا، ومن الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرا، فإذا نصح عن بعض الخلل وبعض التقصير أخذ يمدح نفسه، وأخذ يذكر أعمالا يعملها، ويقول: أنا خير من فلان، وأنا خير من هؤلاء وأنا خير من الذين لا يصلون ولا يزكون ولا ولا؛ فنقول له: لا تمدح نفسك فربك أعلم بمن اهتدى. يقول الله: رسم> فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى قرآن> رسم> .
بل إن عليك أن تحتقر أعمالك، ولو بلغت ما بلغت. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رسم> لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل متن_ح> رسم> ؛ وذلك لأن نعم الله تعالى كثيرة على عباده، ولو أخذهم بعدم شكرها لقصرت أعمالهم عن شكر أصغر نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى عليهم.
ورد في بعض الآثار: رسم> أنه يؤتى برجل قد عمل من الحسنات أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: أدخلوه الجنة برحمتي، فيقول: يا ربي، ألا أدخلها بهذه الأعمال، فيقول الله: حاسبوا عبدي على نعمي. فيقول الله لنعمة البصر: خذي حقك من أعماله، ولنعمة السمع: خذي حقك من أعماله، لنعمة العقل: خذي حقك؛ فتأخذ أعماله ولا يبقى له شيء فيقول الله: أدخلوه النار. فيقول: لا يا ربي، بل أدخلني الجنة برحمتك رسم> ؛ فعلم أن أعمالنا وإن كثرت فإنها قليلة بالنسبة إلى نعم الله سبحانه، وبالنسبة إلى حق الله على عباده.
ورد أن الملائكة الذين خلقوا لعبادة الله، منهم من هو ساجد منذ أن خلقه الله إلى أن تقوم الساعة، ومنهم من هو راكع إلى أن تقوم الساعة. وإذا قامت القيامة وشاهدوا عظمة ربهم، قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. وذلك لأنهم يحتقرون أعمالهم، ولو بلغت ما بلغت.
إذا رأوا نعم الله، وإذا رأوا عظمة ربهم وجلاله وكبرياءه؛ عرفوا أنه أحق أن يعبد وأن يحمد ويشكر وأن يثنى عليه، وأن يطاع ولا يعصى، وأن يعمل له كل الأعمال الصالحة؛ لذلك لا يقول الإنسان: أنا خير من فلان، أو أنا مطيع، أو أنا أصلي وأصوم أو أنا أقرأ وأذكر الله -فإن في هذا تزكية وإنما يحمد ربه ويقول: رسم> الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ قرآن> رسم> ويقول: إننا لو عملنا ما عملنا فإن أعمالنا قليلة بالنسبة إلى ما يستحقه ربنا تعالى.
كان بعض السلف قد بلغ منه الوله والتعبد مبلغا كبيرا وأنشد يوما فقال:
سـبحان مـن لو سجدنا بالعيون له | على حمى الشوك والمحمى من الإبر |
لـم نبلـغ العشر من معشار نعمته | ولا العشـير ولا عشـرا من العشر |
وتذكرون الحديث القدسي أن الله تعالى أخبر بأنه غني عن عباده؛ فيقول: رسم> يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد -ما زاد ذلك في ملكي شيئا. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد -ما نقص ذلك من ملكي شيئا متن_ح> رسم> وإذا كان كذلك فإن ربنا سبحانه غني عن عباده وإنما أمرهم ونهاهم ليبتليهم؛ يقول بعض العلماء في قول الله تعالى: رسم> وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ قرآن> رسم> أي لآمرهم وأنهاهم، وإلا فإنه غني عن عبادة العباد، لا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي بل هو النافع الضار.
مسألة>