القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير logo تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
محاضرة في بني زيدان
3685 مشاهدة print word pdf
line-top
التحذير من تزكية النفس والاتكال على العمل

ومع ذلك كله فإن علينا ألا نزكي أنفسنا، ولا نتمدح بأعمالنا؛ بل علينا أن نحتقر الأعمال التي عملناها، ولو بلغت ما بلغت. الله سبحانه وتعالى قد نهانا عن التزكية للأنفس، قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ومعنى التزكية كون الإنسان يمدح نفسه.
يمدح نفسه بأنه من الذين أطاعوا، ومن الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرا، فإذا نصح عن بعض الخلل وبعض التقصير أخذ يمدح نفسه، وأخذ يذكر أعمالا يعملها، ويقول: أنا خير من فلان، وأنا خير من هؤلاء وأنا خير من الذين لا يصلون ولا يزكون ولا ولا؛ فنقول له: لا تمدح نفسك فربك أعلم بمن اهتدى. يقول الله: فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى .
بل إن عليك أن تحتقر أعمالك، ولو بلغت ما بلغت. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ؛ وذلك لأن نعم الله تعالى كثيرة على عباده، ولو أخذهم بعدم شكرها لقصرت أعمالهم عن شكر أصغر نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى عليهم.
ورد في بعض الآثار: أنه يؤتى برجل قد عمل من الحسنات أمثال الجبال، فيقول الله تعالى: أدخلوه الجنة برحمتي، فيقول: يا ربي، ألا أدخلها بهذه الأعمال، فيقول الله: حاسبوا عبدي على نعمي. فيقول الله لنعمة البصر: خذي حقك من أعماله، ولنعمة السمع: خذي حقك من أعماله، لنعمة العقل: خذي حقك؛ فتأخذ أعماله ولا يبقى له شيء فيقول الله: أدخلوه النار. فيقول: لا يا ربي، بل أدخلني الجنة برحمتك ؛ فعلم أن أعمالنا وإن كثرت فإنها قليلة بالنسبة إلى نعم الله سبحانه، وبالنسبة إلى حق الله على عباده.
ورد أن الملائكة الذين خلقوا لعبادة الله، منهم من هو ساجد منذ أن خلقه الله إلى أن تقوم الساعة، ومنهم من هو راكع إلى أن تقوم الساعة. وإذا قامت القيامة وشاهدوا عظمة ربهم، قالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. وذلك لأنهم يحتقرون أعمالهم، ولو بلغت ما بلغت.
إذا رأوا نعم الله، وإذا رأوا عظمة ربهم وجلاله وكبرياءه؛ عرفوا أنه أحق أن يعبد وأن يحمد ويشكر وأن يثنى عليه، وأن يطاع ولا يعصى، وأن يعمل له كل الأعمال الصالحة؛ لذلك لا يقول الإنسان: أنا خير من فلان، أو أنا مطيع، أو أنا أصلي وأصوم أو أنا أقرأ وأذكر الله -فإن في هذا تزكية وإنما يحمد ربه ويقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ويقول: إننا لو عملنا ما عملنا فإن أعمالنا قليلة بالنسبة إلى ما يستحقه ربنا تعالى.
كان بعض السلف قد بلغ منه الوله والتعبد مبلغا كبيرا وأنشد يوما فقال:
سـبحان مـن لو سجدنا بالعيون له
على حمى الشوك والمحمى من الإبر
لـم نبلـغ العشر من معشار نعمته
ولا العشـير ولا عشـرا من العشر
هكذا يمثل أنه لو سجد طوال حياته بعينيه على حمى الشوك وعلى الإبر المحماة -لم يبلغ عشر معشار نعمة الله عليه؛ وما ذاك إلا لكثرة نعم الله، ولعظم حقه على عباده؛ فإنه سبحانه أهلا أن يعبد وأنه يصلى له ويسجد. ورد في بعض الآثار: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته أكثر أو خيرا لهم من أعمالهم .
وتذكرون الحديث القدسي أن الله تعالى أخبر بأنه غني عن عباده؛ فيقول: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد -ما زاد ذلك في ملكي شيئا. ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد -ما نقص ذلك من ملكي شيئا وإذا كان كذلك فإن ربنا سبحانه غني عن عباده وإنما أمرهم ونهاهم ليبتليهم؛ يقول بعض العلماء في قول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أي لآمرهم وأنهاهم، وإلا فإنه غني عن عبادة العباد، لا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي بل هو النافع الضار.

line-bottom